After Header

حكم الفلاسفة و تفلسف الحكام 

66

حكم الفلاسفة و تفلسف الحكام 

ثمة سؤال يحيرنا حقا في بلادنا ويجعلنا نقيم الليل بحثا عن جواب شاف له وهو راس المشكل في تونس :
هل يمكن لمن ليس له علم بالتاريخ أن يؤثر فيه وأن يكون له بالتالي موقعا في جغرافيته ؟
بماذا يمكن أن يفيدنا جاهل أحب البلاد والعباد بصدق ؟
كيف يمكن لعارف أن يلحق ضررا بنا اذا اعتلى عرش السياسة ؟
لماذا لا يمكن للمعرفة وحدها أن تدير دواليب الحياة وأن تسير حياة الناس ؟
ولماذا لا يستطيع جاهل أن يحكم حتى وان كان ساحرا ؟
ما منزلة التحدي الذي رفعه افلاطون عندما خير الانسانية منذ غابر الازمان بان لا مهرب لنا ، فإما أن يحكم الفلاسفة وأما أن يتفلسف الحكام ؟
علينا أن نعود الى المنطلق كي نؤمن اجابة مشرفة للعقل، والعودة الى المنطلق تبدا أولا بالعودة

الى أولئك الذين سبقونا الى اثارة المشكل وماهي دوافعهم في اثارته وأي غايات ينشدونها ؟
ثمة من يعتقد الان بان مجال المعرفة عليه أن ينفصل عن مجال السياسة بالنظر الى ما تقتضيه حرية الابداع وبالنظر الى علاقة المعرفة بالتفكير بما هو مجال ليست له صلة بالراهن الا بقدر اثارته للإشكالات كونية تتعلق بالكائن البشري اشكالات تأخذ حظها من تعدد الرؤى بما لا يكفي عمر واحد لحلها والحال أن السياسة نظر في العاجل واشتباك مع المعيش واليومي مما يجعل السياسي في وضع المحارب الذي لا يملك الوقت الكافي للتفكير على مهل ولذلك فان كل الاجتهادات الفكرية بالنسبة لسياسي محترف تصنف حذلقات ليس الان وقت سماعها في اشارة الى تأجيل عملية التأمل لصالح الانخراط فيما هو عملي وعليه فان التأمل من هذه الناحية وما يشترطه من معرفة ليس نشاطا محمودا يغرم به السياسي.

 ولكن أن يتخذ من ذلك تبريرا لحالات الجهل والفراغ واختزال المعارك في تجميع هنات الخصوم في مساحة زمنية ضيقة تنحصر في أيام معدودات فان ذلك ينزل بالسياسة الى مراتبها الدنيا بشخصنتها اولا وترذيل مقاصدها ثانيا .
كم جميل ان نعجب بخصومنا كجزء من اعجابنا بحسن ادارتنا للاختلاف ولكن شروط الاعجاب بالخصم تقتضي تعويلا على وعي الانصار في تمجيد المبادئ الانسانية للصراع .
ان الغريب في بلادي أن الكل يعرف أننا ننتظر الحلول وأن فئة منا لا ترضى لهذه الحلول أن تكون بلا كرامة ولذلك تطرح مسالة التنمية في علاقتها بالديمقراطية سؤالا أكثر خطورة انه سؤال أي دكتاتورية نحتاجها اليوم في ظل حالات التراخي وانعدام الامن وتوظيف الكسل كأداة مقاومة لكل من ينافسنا على الحل ماذا تعني شرعية الدكتاتور العادل غير توازن مرجو بين صرامة الدولة وحرصها على سلامة البلاد والعباد وعدلها كغاية لسلطتها ؟
اذن مالذي يعجبنا في العارف حتى نطمئن اليه ؟ الا يمكن أن تتحول معرفته الى اداة تدعم مكره وتزيد من درجة تحكمه وتسلطه ؟
انه الاحساس بوطأة التاريخ كأننا نخاف منه ونخاف عليه ، نخاف منه عندما نتمثله سلطة رقابة ستبعثنا الى الحياة بعد مماتنا من أجل العقاب ونخاف عليه عندما يكون الرصيد الشخصي للحاكم

من القيم النبيلة لا يسمح بالتضحية به من أجل المصلحة أو ادامة السلطة .
داخل هذا المنطق فقط يصبح الوطن منزلك الوحيد سترضى به رغم بذخ منازل الجيران ويصبح فيه المهندس والطبيب والفلاح اخوة لكل منهم شرف العودة الى أحدهم لاختياره بطلا وليس قائدا .
فرجاءا أيها الساسة كفوا عن طلب القيادة وتصرفوا كأبطال لنبحث لكم عن مهنة أخرى أليق بكم بعد موتكم .

كمال الجامعي

 

للاطلاع على المزيد من مقالات الرأي الثقافية زر موقع ثقافتنا

 

التعليقات مغلقة.