آلة العولمة،المتن و الأطراف
آلة العولمة،المتن و الأطراف
إن كلمة العولمة تحمل مدلولات متعددة حسب السياق الخاص للباث و نواياه.
لذلك نلاحظ غموضا في تحديد الحقل الدلالي و السيميائي للمصطلح في ارتباطه بالحقبة الزمنية
التي ظهر فيها و الثقافة المنتجة له إضافة إلى الظروف السوسيوـ إقتصادية.
فالبلدان الصناعية في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية استعملت التصور السابق الذكر لتبين
عن طريق التعمية الإعلامية تفوق الثقافة اللبرالية الجديدة على الخصوصيات المحلية لشعوب الأطراف.
حينئذ كانت الإنطلاقة من الصراع الحضاري بين المركز و المتن أي بين القطب و الهامش المتخلف المتهم أصلا بالإرهاب .
غير أن العولمة تكتسي من جهة أخرى مفهوما متناقضا مع السابق لأنه جاء في ثوب إنساني
في تجاوزه الحدود الإثنية و العرقية محلة في سماء الإبداع الحر و الخلاق .
و في تصورنا فإن مفهوم العولمة يكمن أوّلا في تمكين مواطني الكرة الأرضية من الوصول
إلى آخر ما وصلت إليه التكنولوجيات المتطّورة مثل التواصل الحر على الشبكات الاجتماعية
و التمكن من مصادر المعلومة التي يجب كذلك أن تغذي المؤسسات التربوية
العولمة التي ننشد هي التي تعمل على إحلال العوامل الثقافية و التراثية و الروحية.
عندما يحل المعرفي بدل السياسي تتمتٌن الرٌوابط الإجتماعيّة و الأخلاقية لتعطي دفعا جديدا للإتحاد و الحوار الدّوليين بعيدا عن نظام أحادي القطبّية المرتكز على “انتفاخ الذات” الموغلة في الأنانية والولاء للمصالح المادٌية دون سواها.
العولمة كما نتصورها مظهر أخلاقي فكري يعطي للإنسان العاقل موقعه الحقيقي في العالم يضفي على المحيط طابعا جماليا محافظا بذلك على التنوع البيولوجي
ثقافة عضوية من المستحسن أن يتلقاها الشباب
والأطفال في المدارس والكليات لتصبح ناموسا للتعامل الائق مع الغابات و المحيطات و التراث.
من المؤسف أن آلة العولمة السائدة اليوم دمرت البنى الثقافية و قولبت الأذواق و التعامل الاجتماعي إلى درجة أضعفت الروابط الأسرية و رتقت مكونات المجتمع التقليدي المتصالح
إلى حد ما مع الطبيعة
المعايير أضحت تدين إلى المصلحة الفردية و توحش سوق الربح السريع.
سياسة القطب الواحد طحنت مجتمع المعرفة في الإتجاه الواحد متجاهلة التنوع الثري للآخر
فتطور المقدّرات الإبداعية للإنسان تحفزه نحو تحقيق التوازن بين القفزة التكنولوجية و الوفاق
مع بيئته المحيطة.
في الوضع الراهن اهتزت العلاقات بين الأجيال فأصبحت تصادمية حيث استقالت الأسرة
عن دورها التربوي أمام تيارات الإعلام و قوى أخرى خارجة عن التربية.
أم الظاهرة الجديدة “تسليع البشر” أصبحت الحكومات
و الدول المحلية ترتهن إلى إملاءات الشركات العابرة للقارٌات و الدول المانحة و اليد العليا أقوى
من اليد المتسلمة مثلما يقال
هذه الفكرة نظر لها الأمريكي”هنتجتون” الذي دشن نهاية التاريخ عند إنهيار حائط برلين لأنه
إعتمد خطوط التقسيم الثقافي الذي يعتبره صراع حضارات لا غير وهي نظرية عرجاء تعتمد
الرؤية بعين واحدة “أحادية القطب” ديدنها زرع الحروب و تفكيك الشعوب للسيطرة عليها من جديد.
آلة العولمة خلقت جيوبا جديدة للفقر فتضاعفت البطالة و أصبح مفهوم التطور مجرد حلم بعيد المنال و تنمية كاذبة .
محصلة القول تبقى العولمة معرفية لأن الإقتصاد القوي يعتمد على عقول أبنائه و ليس
على عقلائهم فحسب كذلك نمط جديد للتعليم و التكوين و التدريب.
للاطلاع على المزيد من مقالات الرأي الثقافية زر موقع ثقافتنا
التعليقات مغلقة.